بعدما تناولنا الحديث في مقال سابق عن مرحلة ما قبل الزواج نرى أنه من الأهمية بمكان أن نواصل الحديث عن المرحلة اللاحقة ، والتي هي بعد الزواج ، وهي مرحلة ذات طبيعة جديدة في حياة الطرفين ، الرجل والمرأة ، وكلاهما يتذوق حلاوتها وأنسها وجمالها ، ومع مرور الوقت يزداد التقارب والتفاهم والود والمحبة مما يعود بالخير والبركة على هذه المؤسسة الجديدة ، الأمر الذي يؤدي إلى قوتها ونجاحها وجودة إنتاجها ، ومن الطبيعي أن يكون الأبناء أصحاب مشاريع ناجحة في مثل هذه الأسر المستقرة.
وكنا قد تناولنا في المقالة السابقة بعض القضايا التي تشغل الشباب والفتيات قبل الزواج :
من الميل العاطفي والفطري ، والبحث عن الشريك المناسب ، والمهر وتوابعه ، والحفلات المتعددة ، والموائد الزائدة ، ولما استطاع الزوجان التغلب على كل تلك الصعاب ، ووصلا بأمن وسلام إلى الانجاز الرائع والبناء الشامخ ، وأنشئا مشروعهما الناجح ، لزم من أجل المحافظة عليه وصونه من التصدع فضلا عن الانهيار عدة أمور :
أولا- الحمد والشكر ، الذي ينصرف ابتداء إلى صاحب الفضل وواهب النعم ، وهو الله سبحانه وتعالى ، المستحق للحمد والشكر في كل الأحوال وفي الرخاء أكثر ؛ وذلك لأنه المعطي ( وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ...) (53) النحل ، ثم لأن الشكر لله سبيل الحفاظ والاستمرار( وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ) (7)ابراهيم.
ثم شكر الآخرين من الآباء والأمهات وغيرهم ممن ساهم وأعان في إقامة هذا المشروع المبارك.
ثانياً- تقوية الإيمان وزيادة الأعمال الصالحة ، والتي يأتي في مقدمتها العبادات المفروضة والمسنونة ، وذلك من أجل أن تبقى العلاقة مع الله قوية ، لنيل رضاه وكسب محبته سبحانه وتعالى، ثم من أجل التحصن من الشياطين والحاسدين الذين لا يعجبهم إلا الشر والفساد.
ثالثاً- التجديد في الحياة الزوجية وتغيير الرتابة التي قد تؤدي إلى الملل والضيق والسآمة ، والتجديد مجالاته متعددة وطرقه واسعة ، ولا حرج في أي نوع يرتضيه الطرفان مما يتلاءم مع أوضاعهما وظروفهما بشرط مراعاة الضابط الشرعي.
رابعا-الحوار وفن التعامل: وهي مهارات يمكن أن تكتسب وتؤدى بإتقان مما يجعل العلاقة أكثر متانة وأنساً ، وهي من الأمور المهمة التي لا ينبغي تجاهلها في كل التعاملات وخاصة بين الزوجين الحبيبين ، بل أن ذلك والجودة فيه يجعل الحياة الزوجية شيئاً آخر من السعادة .
خامساً-مراعاة الحقوق والواجبات ، والتي هي من الأمور الأساسية التي لا يسع أحد جهلها أو الغفلة عنها ، فقبل أن تكون هناك حقوق تنال ، هناك واجبات تؤدى ، وكم هو جميل أن يبادر الشخص في أداء ما عليه من واجبات ولا ينتظر حتى يطالب بها ، ففي ذلك إلى جانب إبراء الذمة رقي في التعامل يترك أثره الطيب في الآخر ، ويدفعه إلى المبادرة والإسراع في أداء حقوق الآخرين بل والزيادة عليها.
وأخيرا نسأل الله أن يجعل العلاقة بين الزوجين كلها أنس وسعادة وأمن وطمأنينة ، وهنيئا لهما ذلك في هذه الحياة وفي الآخرة الباقية